نَسْمَعُ عِنْدَهُ مِثْلَ دَوِيِّ النَّحْلِ"، والفرق بينهما: أن الأول بالنسبة إلَى النبي - صلى الله عليه وسلم -، والثاني بالنسبة للصَّحابة، فافْتَرق النسبة بحسب المَقَامين.
والصَّلْصَلة في الأصل: صوتُ وَقع الحديث بعضه عَلى بعض، ثم أُطْلِقت عَلى كل صوت له طَنِينٌ، وشبهه به نَظرًا إلَى مُماثلة الصوت مع قَطع النظر عن مُتعلقاته، وإلا فصوت الجَرَس نفسه يكره حسه.
قوله:(فيُفْصَم) بضم أوله عَلى البناء عَلى مَا لَمْ يُسَمَّ فاعله، ولغير أبي ذَرٍّ بفتح أوله وكسر الصاد، أي: يَقْلِع، والفَصْم: القطع من غير بَينُونة بخلاف القَصْم بالقاف.
قوله:(وَعَيْت) بفتح العين؛ أي: فَهِمْت، وهو مأخوذ من الوِعَاء؛ أي: جمعته كما يُجمع الشيء في الوِعَاء، وحَصَل من المجموع أنه لا يَفْهَمه ابتداء حَتى يُلْقِي إليه بالَهُ كُلَّه، وأنه لا يُقْلَع عنه إلا وقد فَهِم ما جاء به.
ولم يتعرض في هذه الصورة لكيفية حامل الوحي؛ لأن السُّؤال إنما وَقَع عن الوحي نفسه، وإنما ذَكره في الثاني لتحقق أنه يشبه كلام الإنس.
قوله:(رجلًا) أي: على مثال رجل، ومعناه: أن الملك ظهر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بتلك الصورة تأنيسًا. والزائد عَلى خلقه، إما أن يحتجب، وإما أن يضمحل ثم يعود [٢٨/ ب]، وأشار إلَى ذلِكَ ابن عبد السلام، والأول أولى.
قوله:(فأعي ما يقول).
وَقَالَ في الأول: "وقد وعيت ما قَالَ"؛ لأن الوعي حصل في الأول عقب المكالمة قبل الفَصْم، وفِي الثاني حصل حال المُكالمة، ولا يتصور قبلها.
فإن قيل: بقي من صفات الوحي أشياء لم تُذكر: كالرؤيا الصالحة، والإلهام، والنَّفْث في الرُّوع، والكلام بلا واسطة كما في ليلة الإسراء، ومجيء الملك في صورته الَّتِي خُلق عليها؟
فالجواب: أن السؤال غير وارد؛ إذ لا صيغة حصر هنا، وَعَلى تقدير ذَلِكَ يجوز أن يكون في الرؤيا أيضًا لا يخرج في مجيئه بالوحي عن الصفتين المذكورتين، وأما ما عدا