للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعد مجيء الوحي حَتَّى تعقب به، بل هو تفسير، ولا يلزم من هذا (١) أن يكون من باب تفسير الشيء بنفسه، بل التفسير عين المفسر به من جهة الإجمال، وغيره من جهة التفصيل.

قوله: (ما أنا) "ما" نافية؛ إذ لو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء عليها، وإن حكي عن الأخفش جوازه فهو شاذ، و"الباء" زائدة لتأكيد النفي؛ أي: ما أُحْسِن القراءة، فلما قَالَ ذلكَ ثلاثًا، قيل له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي: لا تقرؤه بقوتك ولا بِمعرفتك، لكن بحول ربك وإعانته، فهو معلمك كما خلقك، وكما نزع عنك علق الدم ومغمز الشيطان في الصغر، وعلَّم أُمَّتك حَتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أُمِّيَّة.

فإن قيل: فَلِمَ كرر ذَلِكَ؟

أجاب أبو شامة: بأنه يحتمل أن يكون قوله أولًا: "ما أنا بقارئ" عَلى الامتناع، وثانيًا: عَلى الإخبار بالنفي المحض، وثالثًا: عَلى الاستفهام، ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قَالَ: "كيف أقرأ".

قوله: (فغطني) بغين معجمة وطاء مهملة، وفِي رواية الطبري (٢): بتاء مثناة من فوق، كأنه أراد: ضَمَّني وعَصَرني، والغَطُّ: حبس النفس، ومنه: غَطَّه في الماء، أو: أراد غمني: ومنه: الخنق، ولأبي داود الطيالسي في "مسنده" بسند حسن: "فأخذ بحلقي" (٣).

قوله: (حَتَّى بلغ مني الجهد) روي بالفتح والنصب (٤)؛ أي: بلغ الغط مني غايةَ وِسْعِي، وروي بالضم والرفع (٥)؛ أي: بلغ مني الجُهد مبلغه.

وقوله: (أرسلني) أي: أطلقني، ولم يذكر الغط هنا في المرة الثالثة، وهو ثابت عند المؤلف في التفسير (٦).


(١) بعدها بياض مقدار كلمة، وفِي "فتح الباري": "ولا يلزم من هذا التقدير".
(٢) "تاريخ الطبري" (١/ ٥٣١ - ٥٣٢).
(٣) "مسند الطيالسي" (١/ ٢١٥)، برقم (١٥٣٩).
(٤) أي: بفتح الجيم ونصب الدال.
(٥) أي: بضم الجيم ورفع الدال.
(٦) (كتاب التفسير، باب: سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}) برقم (٤٩٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>