للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورجح البيهقي رواية البخاري؛ لأن سليمان لم يشك، وفيه نظر لما ذكرنا من رواية بشر بن عمر عنه فتردد أيضًا، لكن يرجح بأنه المُتَيقَّنُ وما عداه مشكوك فيه، وأما رواية التّرمِذيّ (١) بلفظ: "أربع وستون" فمعلولة، وَعَلى صحتها لا تخالف رواية البُخَاريّ، وترجيح رواية: "بضع وسبعون" لكونها زيادة ثقة لا يستقيم؛ إذ الَّذِي زادها لم يستمر عَلى الجزم بها لاسيما مع اتحاد المخرج [٥٠/أ]، وبهذا تبين شفوف نظر البخاري.

قوله (شُعْبَة) بالضم أي: قطعة، والمراد: الخصلة أو الجزء.

قوله: (والْحَياء) هو بالمد، وهو في اللغة: تَغَيُّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وفِي الشرع: خُلُقٌ يبعث عَلى اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، ولهذا جاء في الحديث الآخر: "الْحَياء خَيْر كله" (٢).

فإن قيل: الحياء من الغرائز فكيف جُعِل شُعْبة من الإيمان؟

أجيب: بأنه قد يكون غريزة وقد يكون تَخلقًا، ولكن استعماله عَلى وفق الشرع يحتاج إلَى اكتساب وعلم ونية، فهو من الإيمان لهذا، ولكونه باعثًا عَلى فعل الطاعة، وحاجزًا عن فعل المعصية، ولا يقال: رُبَّ حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير؛ لأن ذَلِكَ ليس شرعيًّا.

فإن قيل: لِمَ أفرده بالذكر هنا؟

أجيب: بأنه كالداعي إلَى باقي الشُّعب، إذ الحَيِيُّ يخاف فضيحة الدُّنْيَا والآخرة فيأتمر وينزجر، والله الموفق.

* فائدة:

قَالَ القاضي عياض: تَكلَّف جماعة حصر هذه الشُّعب بطريق الاجتهاد، وفِي الحكم


(١) "جامع التّرمِذيّ" (كتاب الإيمان، باب: ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه) برقم (٢٦١٤)، ولكن وقع فيه: "أربعة وستون بابًا".
(٢) أخرجه مُسْلِم في "صحيحه" (كتاب الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان) برقم (٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>