وقوله:(إلا بالشرك) أي: أن كل معصية توجد من ترك واجب أو فعل مُحرم فهي من أخلاق الجاهلية، والشرك أكبر المعاصي، ولهذا استثناه.
ومحصل الترجمة: أنه لما قَدَّم أن المعاصي يُطلق عليها الكفر مجازًا عَلى إرادة كفر النِّعْمَة لا كفر الجَحْد أراد أن يُبين أنه كفر لا يُخرج عن الملة، خلافًا للخوارج الذين يُكَفِّرون بالذنوب، ونص القرآن يرد عليهم، وهو قوله تعالَى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨ , ١١٦]. فَصَيَّر ما دون الشرك تحت إمكان المغفرة، والمراد بالشرك في هذه الآية: الكفر؛ لأن من جحد نبوة مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - مثلًا كَانَ كافرًا ولو لم يجعل مع الله إلهًا آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف، وقد يرد الشرك ويراد به ما هو أخص [٧٣ / أ] من الكفر، كما في قوله تعالَى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ}[البينة: ١].
واستدل المؤلف أيضًا عَلى أن المؤمن إذا ارتكبَ معصية لا يكفر بأن الله أبقى عليه اسم الإيمان، فقال:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}[الحجرات: ٩]، ثم:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات: ١٠].
واستدل أيضًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما"، فسماهما مُسْلِمَيْنِ مع التوعد بالنار، والمراد هُنَا: إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ.
واستدل أيضًا بقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر:"فيك جاهلية"، أي: خصلة جاهلية، مع أن منْزلة أبي ذر من الإيمان في الذروة العالية، وإنما وَبَّخه بذلك عَلى عظيم منزلته عنده تحذيرًا له عن معاودة مثل ذَلِكَ؛ لأنه وإن كَانَ معذورًا بوجهٍ من وجوه العذر لكن وقوع ذَلِكَ من مثله يُسْتَعْظَم أكثر ممن هو دونه.
وقد وضح بهذا وجه دخول الحديثين تحت الترجمة، وهذا عَلى مقتضى هذه الرواية رواية أبي ذر عن مشايخه، لكن سقط حديث أبي بكرة من رواية المُسْتَملي، وأما رواية الأصيلي وغيره فأفرد فيها حديث أبي بكرة بترجمة:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الحجرات: ٩] , وكل من الروايتين جمعًا وتفريقًا حسنٌ.
والطائفة: القطعة من الشيء، يُطلق عَلى الواحد فما فوقه عند الجمهور.