قَالَ المازري: الكافر لا يصح منه التقرب؛ فلا يثاب عَلى العمل الصالِح الصادر منه [٨٣ / أ] في شركه؛ لأنه من شرط المتقرب أن يكون عارفًا بمن يتقرب إليه، والكافر ليس كذلك، وتابعه القاضي عِيَاض عَلى تقرير هذا الإشكال، واستضعف ذَلِكَ النووي فقال: الصواب الذِي عليه المحققون -بل نقل بعضهم فيه الإجْمَاع- أن الكافر إذا فعل أفعالًا جَميلة كالصدقة وصلة الرحم ثم أسلم ومات عَلى الإسلام أن ثواب ذَلِكَ يُكتب له، وأما دعوى أنه مُخالف للقواعد فغير مُسَلَّم؛ لأنه قد يُعْتَدُّ ببعض أفعال الكافر في الدُّنْيَا ككفارة الظهار، فإنه لا يلزمه إعادتها إذا أسلم وتجزئه. انتهى
والْحَق: أنه لا يلزمه من كتابة الثواب للمسلم في حال إسلامه تفضلًا من الله وإحسانًا أن يكون ذلكَ لكون عمله الصادر منه في الكفر مقبولًا، والحديث إنّما يتضمن كتابة الثواب، ولم يتعرض للقبول، ويحتمل أن يكون القبول مُعلقًا عَلى إسلامه فيقبل ويثاب إن أسلم وإلا فلا.
وقد جزم بِما جزم به النووي: إبراهيم الحربي، وابن بَطَّال وغيرهما من القدماء، والقرطبي وابن المنير من المتأخرين.
قَالَ ابن المنير: المخالف للقواعد دعوى أنه يكتب له ذَلِكَ في حال كفره, وأما أن الله يضيف إلَى حسناته في الإسلام ثواب ما كَانَ صدر منه مِما كَانَ يظنه خيرًا فلا مانع منه، كما لو تفضل عليه ابتداءً من غير عمل، وكما يتفضل عَلى العاجز بثواب ما كَانَ يعمل وهو قادر، فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لَم يعمل ألبتة جاز أن يكتب له ثواب ما عمله غير موفى الشرط، وَقَالَ ابن بَطَّال: لله أن يتفضل عَلى عباده بِما شاء ولا اعتراض عليه.
قوله:(وكان بعد ذَلِكَ القصاص) أي: كتابة المجازاة في الدُّنْيَا، وهو مرفوع بأنه اسم كَانَ، ويَجوز أن تكون "كَانَ" تامة، وعَبَّر بالماضي لتحقق الوقوع فكأنه وقع، كقوله تعالَى:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}[الأعراف: ٤٤].