للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأبي حنيفة وغيرهما، وحجتهم أنه ليس عبادة مستقلة، بل [وسيلة] (١) إلَى عبادة كالصلاة، ونوقضوا بالتيمم فإنه وسيلة، وقد اشترط الحنفية فيه النية.

واستدل الجمهور عَلى اشتراط النية في الوضوء بالأدلة الصحيحة المصرحة بوعد الثواب عليه، فلابد من قصد يميزه عن غيره ليحصل الثواب الموعود.

وأمَّا الصلاة فلم يختلف في اشتراط النية فيها، وأما الزكاة فإنّما تسقط بأخذ السلطان ولو لَم ينو صاحب المال؛ لأن السلطان قائم مقامه.

وأمَّا الحج فإنه ينصرف إلَى فرض مَن حج عن غيره لدليل خاص، وهو حديث ابن عباس في قصة شُبْرُمة (٢)، وأما الصومُ فأشار به إلَى خلاف من زعم أن صيام رمضان لا يَحتاج إلَى نية؛ لأنه متميز بنفسه كما نقل عن زُفر.

وقدم المصنف الحج عَلى الصوم تَمسكًا بِما ورد عنده في حديث: "بُنيَ الإسلام" وقد تقدم.

قَوْلُهُ: (والأحكام) أي: المعاملات الَّتِي يدخل فيها الاحتياج إلَى المحاكمات، فيشمل البيوع والأنكحة والأقارير وغيرها، وكل صورة لَم يشترط فيها النية فذاك لدليل خاص.

وقد ذكر ابن المنير ضابطًا لِما يشترط فيه النية مِما لا يشترط، فَقَالَ: كل عمل لا تظهر له فائدة عاجلة بل المقصود به طلب الثواب فالنية مشترطة فيه، وكل عمل ظهرت فائدته ناجزة وتعاطته الطبيعة قبل الشريعة لملاءمة بينهما فلا تشترط النية فيه، إلا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه الثواب.

قَالَ: وإنَّما اختلف العلماء في بعض الصور من جهة تحقيق مناط التفرقة، قَالَ: وأما ما كَانَ من المعاني المحضة: كالخوف والرجاء فهذا لا يقال باشتراط النية فيه؛ لأنه لا يُمكن أن يقع إلا منويًّا، ومتى فُرضت النية مفقودة فيه استحالت حقيقة، فالنية فيه


(١) مكانها بياض بالأصل، والمثبت من "الفتح".
(٢) أخرجه أبو داود في "سننه" (كتاب المناسك، باب: الرجل يحج عن غيره) برقم (١٨١١)، وابن ماجه في "سننه" (كتاب المناسك، باب: الحج عن الميت) برقم (٢٩٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>