الأعراب، وقد ظهرت بعد ذَلِكَ في قَوْله:"فمشدد عليك في المسألة"، وفِي قَوْله في رواية ثابت:"وزعم رسولك أنك تزعم"، ولهذا وقع في أول رواية ثابت، عن أنس:"كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع"، زاد أبو عوانة في صحيحه:"وكانوا أجرأ عَلى ذَلِكَ منا".
يعنِي: أن الصحابة واقفون عند النهي، وأولئك يعذرون بالجهل، وتمنوه عاقلًا ليكون عارفًا بما يسأل عنه، وظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار بين يدي مسألته لظنه أنه لا يصل إلَى مقصوده إلا بتلك المخاطبة.
وفِي رواية ثابت من الزيادة: أنه سأله من رفع السماء وبسط الأرض وغير ذَلِكَ من الموضوعات، ثُمَّ أقسم عليه به أن يصدقه عما يسأل عنه، وكرر القسم في كل مسألة تأكيدًا وتقريرًا للأمر، ثم صرح بالتصديق، وكل ذَلِكَ دليل عَلى حسن تصرفه وتمكن عقله، ولهذا قالَ عمر في رواية أبي هُرَيْرَةَ:"ما رأيتُ أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام"(١).
قَوْلُهُ:(ابن عبد المطلب) -بفتح النون- عَلى النداء، وفِي رواية الكشميهني:"يا ابن" بإثبات حرف النداء.
قَوْلُهُ:(فلا تَجد) أي: لا تغضب، ومادة وجد متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني، فيقال في الغضب: مُوجِدَة، وفِي المطلوب: وُجُودًا، وفِي الضالة: وُجْدَانًا، وفِي الحب: وَجْدًا بالفتح، وفِي المال: وُجْدًا بالضم، وفِي الغنى: جِدَة -بكسر الجيم وتَخفيف الدال المفتوحة- عَلى الأشهر في جَميع ذَلِكَ، وقالوا [١٢١/ ب] أيضًا في المكتوب: وجادة، وهي مولدة.
قَوْلُهُ:(أنشدك) بفتح الهمزة وضم المعجمة، وأصله من النشيد: وهو رفع الصوت، والمعنى: سألتك رافعا نشيدتي، قاله البغوي في "شرح السنة"، وَقَالَ الجوهري: أنشدتك بالله، أي: سألتُكَ بالله. كأنك ذكرته فنشد، أي: تذكر.