فالأول لائق بأبواب العلم، والثاني لائق بقسم الصدقات؛ ولهذا أورده مُسْلِم في الزكاة والمؤلف في الخُمُس (١)، والثالث لائق بذكر أشراط الساعة، وقد أورده المؤلف في الاعتصام لالتفاته إلَى مسألة عدم خلو الزمان عن مُجتهد.
وقد تتعلق الأحاديث الثلاثة بأبواب العلم، بل بترجمة هذا الباب خاصة من جهة [١٣١/ أ] إثبات الخير لمن تفقه في دين الله، وأن ذَلِكَ لا يكون بالإكثار فقط، بل لمن يفتح الله عليه به، وأن من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجودًا حَتى يأتي أمر الله.
وقد جزم البُخَاريّ بأن المراد بهم أهل العلم بالآثار، وَقَالَ أَحْمَد بن حنبل: إن لَم يكونوا أهل الحديث فلا أدري مَن هُم؟ !
قَالَ القاضي عياض: أراد أَحْمَد أهل السُّنَّة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث، وَقَالَ النووي: يحتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر الله من: مُجاهد، وفقيه، ومُحدث، وزاهد، وآمر بالمعروف، وغير ذَلِكَ من أنواع الخير، ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد، بل يَجوز أن يكونوا مفرَّقين.
قَوْلُهُ:(يُفَقِّهه) أي: يفهمه كما تقدم، وهي ساكنة الهاء؛ لأنها جواب الشرط، يقال: فَقُه بالضم: إذَا صار الفقه له سَجِية، وفَقَه بالفتح: إِذَا سبق غيره إلَى الفهم، وفَقِه بالكسر: إِذَا فهم.
ومفهوم الحديث: أن من لَم يتفقه في الدين، أي: يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بِها من الفروع؛ فقد حُرِم الخير، وفي ذَلِكَ بيان ظاهر لفضل العلماء عَلى سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين عَلى سائر العلوم، وسيأتي بقية الكلام عَلى الحديثين الآخرين في موضعهما إن شاء الله.