الترجمة حقيق بما ذكره لنفسه من الأوصاف الحسنة، والله العظيمِ لم أَرَ في الحفاظ المتأخرين مثله، ويعلم ذلك كل من اطلع على مؤلفاته أو شاهده, وهو عارف فقيه منصف في تراجمه، ورحم الله جدي حيث قال في ترجمته:
"إنه انفرد بفنه فطار اسمه في الآفاق، وكثرت مصنفاته فيه وفي غيره، طار صيته شرقًا وغربًا، شامًا ويمنًا، ولا أعلم الآن من يعرف علوم الحديث مثله، ولا أكثر تصنيفًا ولا أحسن، ولذلك أخذها عنه علماء الآفاق من المشايخ والطلبة والرفاق، وله اليد الطولى في المعرفة بالعلل، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة، والجرح والتعديل، وإليه يشار في ذلك، ولهذا قال بعض العلماء: لم يأت بعد الحافظ الذهبي أحد سلك هذه المسالك، ولقد مات فن الحديث من بعده، وأسف الناس على فقده، ولم يخلف بعده مثله" انتهى.
وولي تدريس الحديث في مواضع متعددة، وعُرض عليه قضاء مصر فلم يقبله رحمه الله تعالَى.
وكان بينه وبين البرهان البقاعي والجلال السيوطي ما بين الأقران.
* وفاته:
توفي بالمدينة الشريفة حال مجاورته الأخيرة بها، وعمره إحدى وسبعون سنة، وصُلِّي عليه بعد صلاة الصبح يوم الاثنين بالروضة الشريفة، ووقف بنعشه تجاه الحجرة الشريفة، ودُفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام مالك، وكانت جنازته حافلة، سنة اثنتين وتسعمائة، ولم يخلفه بعد مثله في مجموع فنونه (١).
(١) راجع ترجمته في "شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي (٨/ ١٥ - ١٧) , و"النور السافر عن أخبار القرن العاشر" (ص ١٠ - ١٢).