للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (من كذب عليَّ) كذا رَوَاهُ البُخَاريَّ ليس فيه "متعمدًا"، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق غُندر عن شُعبة.

وأخرجه ابن ماجه من طريقه وزاد فيه: "متعمدًا"، وكذا للإسماعيلي من طريق مُعاذ عن شُعبة، والاختلاف فيه عن شُعبة.

وقد أخرجه الدَّارمي [١٥٣ / أ] من طريق أخرى عن عبد الله بن الزُّبير بلفظ: "من حدث عني كذبًا" (١)، ولم يذكر العمد.

وفِي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة الحديث دليل للأصح في أن الكذب: هو إخبار بالشيء علي خلاف ما هو عليه، سواء أكان عمدًا أم خطأ، والمخطئ وإن كان غير مأثوم بالإجماع لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر؛ لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار إذ الإكثار مظنة الخطأ.

والثقة إذا حدث بالخطأ فيُحمل عنه وهو لا يشعر أنَّه خطأ يُعمل به علي الدوام للوثوق بنقله، فيكون سببًا للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار، فمن ثَمَّ توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث، وأما من كثر منهم فمحمولٌ علي أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبت، أو طالت أعمارهم فاحتيج إلَى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-.

قَوْلُهُ: (فليتبوأ) أي: فليتخذ لنفسه منْزلًا، يقال: تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنًا، وهو أمر بمعنى الخبر أيضًا، أو بمعنى التهديد، أو بمعنى التهكم، أو دعاء على فاعل ذلك، أي: بوأه الله ذلك.

وقال الكرماني: يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته، والمعنى: مَن كذب فليأمر نفسه بالتبوء، ويلزم عليه. كذا قال وأولها أولاها.

قال الطيبي: فيه إشارة إلَى معنى القصد في الذنب وجزاؤه، أي: كما أنَّه قصد في الكذب التعمد فليقصد في جزائه التبوء.


(١) "سنن الدارمي" في المقدمة (باب: اتقاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) برقم (٢٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>