من أريد وصفه بتلك الصفة للحكم بين الناس فبقوله حكميه يخرج الأولان. وبقوله حكمه الشرعي أي نفوذ كل حكم شرعي فالعموم مستفاد من الإضافة يخرج التحكيم لأن المحكم ليس بهذه الحالة وإنما له صفة توجب نفوذ حكمه الشرعي الخاص في قضية شخصية التي حكمه الخصمان فيها وبمجرد الفراغ منها زالت عنه تلك الصفة كما تخرج به ولاية المظالم والسوق والرد والشرطة والمصر المتقدمة في كلام الزقاق وذلك لأنها خاصة ببعض الأحكام كما هي مبينة في شرحها. وقوله ولو بتعديل أو تجريح هو مبالغة في مقدر معطوف عليه أي نفوذ حكمه في كل شيء حكم به ولو كان الذي حكم به تعديلا أو تجريحا فيكون التعديل والتجريح من متعلقات الحكم. وقوله لا في عموم مصالح المسلمين يخرج به الإمامة العظمى إذ ليس للقاضي ترتيب الجيوش ولا قسمة الغنائم ولا تفرقة مال بيت المال ولا قتل البغاه ولا الإقطاعات بخلاف الإمام فإن نظره أعم. وقوله
(منفذ بالشرع للأحكام ... له نيابة عن الإمام)
يعني أن المنفذ للأحكام الشرعية على الخصوم هو القاضي لنيابته عن صاحب الإمامة العظمى وهي عبارة عن نيابة شخص عن النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة قوانين الشرع وقواعده وحفظ الملة والدين على وجه يجب إتباعه على كافة الأمة. وحيث كان نائبا عنه فله عزله لسبب أو لغير سبب غير أنه إذا كان مشهورا بالعدالة لا ينبغي للإمام عزله إلا لمصلحة كما إذا وجد من هو أكمل منه وإذا عزله فإنه يبريه من ذلك لأن العزل مظنه تطرق الكلام في المعزول وإن عزله لسخط فإنه يظهر عيبه للناس لئلا يتولى عليهم بعد. ولما كان القاضي نائبا عن الإمام وخليفته في الأحكام الشرعية بين الأنام وأن النيابة عنه في ذلك لا تصح إلا لمن توفرت فيه شروطها شرع الناظم رحمه الله تعالى في بيانها مع بعض الصفات المستحبة فقال
(واستحسنت في حقه الجزالة ... وشرطه التكليف والعدالة)