الفكر والتقشف والاقبال على الحق بالكلية وغير ذلك من دعاويهم فلو كان الامر كذلك لدله الخضر عليه السلام على استعمال الفكرة والتقشف وما اشبه ذلك ولم يكتم عليه النصيحة حيث قال له هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت منه رشداً. ومما يدل على شرف العلم في كتاب الله عز وجل قصة سليمان عليه الصلاة والسلام مع الهدهد حيث قال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لاعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فما راح نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم عن مجلسه أن جاء الهدهد فقال احطت بما لم تحط به انظر استعلاء حجته بالعلم وكيف اطمأنت نفسه وقوي كلامه في مجلس نبي الله وعظيم ملكه الذي وهب له ملك لا ينبغي لاحد من بعده من الجن والانس وتفخيم نفسه عليه بقوله احطت بما لم تحط به فسكن غضبه وهدأ جاشه عما توعده به من العذاب والذبح لمكان ما هو عليه من العلم الذي ادعاه واكرمه وجعله سفيره ورسوله إلى بلقيس ولا يعظم إلا معظما. ومن اعذب ما وقعت به الاشارة إلى ذلك قوله تعالى {وما علمتم من الجوارح مكلبين} إلى قوله {مما لآمسكن عليكم} ومعلوم أنه لا أخس في النفوس من الكلب ثم وقع الاهتمام به فيما يتعلق بعلمه حتى كان فعله معتبرا بأن كان صيده مباحا محترما لا يجوز اتلافه عبثا بخلاف ما قتله كلب غير معلم فانه محرم نجس مبعد مرفوض وصورة القتل والخذ في الموضعين لا تختلف لكن لمكانة علم احد الكلبين فضل عمله والاخر لمكانة جهله دحذ عمله فهذا يدل دلالة واضحة على شرف العلم في نفسه إذ قد شرف غيره به فلولا شرفه في نفسه لما شرف غيره به. وقد شرف الله العلماء غاية الشرف حيث أوقع ذكرهك في ثالث رتبة منه فقال تعالى شهد الله أنه لا إله الا هو والملائكة واولوا العلم وناهيك بها مزية تخصيصهم بهاته الرتبة دون سائر الخلق. ومن ذلك قوله تعالى {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} فأشار تعالى إلى أن ترد اليهم الامور المشكلة لكونهم