لما سبق من التبرعات ظاهرة ومناسبة الوديعة للعارية في وقوع الضمان فيهما بموجباته واشتباه فصل الأمناء بهما في عدم الضمان بحكم الأمانة ثم الحق بذلك كله فصل القرض لاشتراكه مع أكثر فصول هذا الباب لانتفاع المقترض بما يقترضه من عين أو طعام ونحوهما كما ينتفع به مالكه كذا في الشارح. ولكل واحد من هذه المذكورات شرح يذكر في محله إن شاء الله تعالى (فأما) الحبس ويعبر عنه بالوقف والصدقة فأبحاثه ثلاثة (الأول) في معناه لغة واصطلاحًا (والثاني) في حكم التحبيس (والثالث) في حكمة مشروعيته (فأما) معناه في اللغة فهو المنع قال صاحب المصباح الحبس أي بفتح أوله وسكون ثانيه المنع وهو مصدر حبسته من باب ضرب ثم أطلق على الموضع وجمع على حبوس مثل فلس وفلوس وحبسته بمعنى وقفته فهو حبيس والجمع حبس مثل بريد وبرد وإسكان الثاني للتخفيف لغة ويستعمل الحبس في كل موقوف واحدًا كان أو جماعة وحبسته بالتثقيل مبالغة وأحبسته بالألف مثله فهو محبوس (وقال) وقفت الدار وقفًا حبستها في سبيل الله وشيء موقوف ووقف أيضًا تسمية بالمصدر ولجمع أوقاف مثل ثوب وأثواب ووقفت الرجل عن الشيء منعته عنه اهـ. (وفي الاصطلاح) عرفه الإمام ابن عرفة بقوله الوقف مصدرًا إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازمًا بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرًا واسمًا ما أعطيت منفعته الخ (فقوله) مدة وجوده مبني على أن الحبس لا يكون إلا مؤبدًا وإطلاق الحبس على غير المؤبد مجاز عنده كما صرح به في غير هذا فخرج بقوله مدة وجوده العارية والعمرى لأن المنفعة فيهما ليست مدة وجود ذلك الشيء بل العارية تنقضي بانقضاء مدتها والعمرى تنقضي بموت المعطى له (وخرج) بقوله لازمًا بقاؤه العبد المخدم ما دام حيًا يموت قبل موت سيده لأنه غير لازم بقاؤه في ملك معطيه لجواز بيعه برضى المعطي مع معطاه. وأما إن مات سيده قبله فإنه يبطل إخدامه ويرجع لورثة السيد كما في الحطاب. وقوله في ملك معطيه أي على المشهور ففي المقري وغيره وقف المساجد إسقاط إجماعًا كالعتق لا ملك لأحد فيها لقول الله تعالى وإن المساجد لله فلا تدعوا مع