للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع علمهم بما في كتابهم من نعت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - المُنْطَبِق عليه، وأخذ المواثيق عليهم ألا يكتموه، فكان ذلك أمانة لازمة لهم ولم يُؤَدُّوها حيث قالوا للكفار: أنتم أهدى سبيلًا، حسدًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -. فقد تضمنت هذه الآية مع هذا القول: التَّوَعُّدَ عليه؛ المفيد للأمر بِمُقَابِلِه المُشْتَمِل على أداء الأمانة التي هي بيان صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بإفادة أنَّه الموصوف في كتابهم، وذلك مناسب لقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، فهذا عام في كلِّ أمانة، وذلك خاص بأمانة هي صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالطريق السابق، والعامُّ تَالٍ للخاص في الرَّسم مُتراخٍ عنه في النزول، والمناسبة تقتضي دخول ما دل عليه الخاص في العام؛ ولذا قال ابن العربي في تفسيره: وجه النظم: أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلًا، فكان ذلك خيانة منهم، فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات» (١).

ولمزيد من الإيضاح فإن هذه الآيات: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} ... إلى قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (٥٧)} (النساء: ٥١ - ٥٧) نزلت -فيما رُوي (٢) - بسبب سؤال المشركين لليهود: أنحن أهدى أم محمد؟ فأجابهم اليهود: أنتم أهدى من محمد! ! وسجدوا لأصنامهم؛ فكان ذلك منهم كتمانًا للشهادة بالحق، وتضييعًا للأمانة التي حُمِّلُوها.

ثم قال بعد هذه الآيات: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فهذه الآية نزلت -فيما رُوي- بسبب مفاتيح الكعبة.


(١) الإتقان في علوم القرآن (١/ ١١٣ - ١١٤).
(٢) انظر: السنن الكبرى للنسائي (١١٦٤٣)، وللوقوف على المرويات الواردة في ذلك -وهي لا تخلو من ضعف- ينظر: الاستيعاب في بيان الأسباب (١/ ٤٠٥ - ٤١١).

<<  <   >  >>