للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال أحدهم: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، فقال الآخر: إن سمع بعضه سمع كله. فأنزل الله - عز وجل -: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)} (فصلت)» (١)؛ فجاء التوكيد في قوله: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. في سياق هذا الإنكار؛ أي: هو وحده الذي له كمال قوة السمع وإحاطة العلم، لا كما يظن به أعداؤه الجاهلون: أنه لا يسمع إن أخفوا، وأنه لا يعلم كثيرًا مما يعملون. وحَسَّن ذلك أيضًا: أن المأمور به في سورة فصلت دَفْع إساءتهم إليه بإحسانه إليهم، وذلك أشق على النفوس من مُجرد الإعراض عنهم؛ ولهذا عَقَّبه بقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)} (فصلت)، فحَسُن التأكيد لحاجة المُستعيذ.

وأيضًا، فإن السياق هاهنا لإثبات صفات كماله، وأدلة ثبوتها، وآيات ربوبيته، وشواهد توحيده؛ ولهذا عَقَّب ذلك بقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ} (فصلت: ٣٧)، وبقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} (فصلت: ٣٩)» (٢).

٩ - قال تعالى عن إبراهيم - عليه السلام -: {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} (النحل: ١٢١)، وقال: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان: ٢٠)، «فجَمَع النعمة في آية النحل جَمْع قِلَّة (أنعم)؛ لأن نعم الله لا تُحصى، وإنما يستطيع الإنسان معرفة بعضها وشكرها،


(١) أخرجه البخاري (٤٨١٧، ٧٥٢١)، ومسلم (٢٧٧٥).
(٢) إغاثة اللهفان (١/ ٩٦ - ٩٧).

<<  <   >  >>