للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُسيء إليه ولا يُحْسِن، فلا يُؤْثِر الإحسانَ إلى المسيء إلا من خالفه وآثر الله تعالى وما عنده على حَظّه العاجل.

فكان المقام مقام تأكيد وتحريض، فقال فيه: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦)} (فصلت)، وأما في سورة الأعراف فإنه أمره أن يُعرِض عن الجاهلين، وليس فيها الأمر بمُقَابَلة إساءتهم بالإحسان، بل بالإعراض، وهذا سَهْل على النفوس غير مُسْتَعْص عليها، فليس حِرْص الشيطان وسَعيه في دَفْع هذا كحِرْصِه على دَفْع المُقابَلة بالإحسان، فقال: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)} (الأعراف)» (١).

وقال في موضع آخر: «وقال هاهنا: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (فصلت: ٣٦)، فأكد بـ (إن)، وبضمير الفصل، وأتى باللام في: {السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. وقال في الأعراف: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأعراف: ٢٠٠).

وسر ذلك -والله أعلم- أنه حيث اقتصر على مُجرد الاسم ولم يُؤكده أُريد إثبات مُجرد الوصف الكافي في الاستعاذة والإخبار بأنه سبحانه يسمع ويعلم، فيسمع استعاذتك فيجيبك، ويعلم ما تستعيذ منه فيدفعه عنك؛ فالسمع لكلام المُستعيذ، والعلم بالفعل المُستعاذ منه، وبذلك يحصل مقصود الاستعاذة، وهذا المعنى شامل للموضعين، وامتاز المذكور في سورة فصلت بمزيد التأكيد والتعريف والتخصيص؛ لأن سياق ذلك بعد إنكاره سبحانه على الذين شكوا في سمعه لقولهم وعلمهم به، كما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: «اجتمع عند البيت ثلاثة نفر: قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، كثيرٌ شَحْم بطونهم، قليلٌ فِقْه قلوبهم، فقالوا:


(١) السابق (٢/ ٢٦٧ - ٢٦٨).

<<  <   >  >>