قال ابن القيم - رحمه الله -: «مَجيء المَشْرِق والمَغْرِب في القرآن تارة مجموعين، وتارة مُثَنَّيين، وتارة مُفْرَدين؛ لاختصاص كل محل بما يقتضيه من ذلك؛ فالأول كقوله:{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ}(المعارج: ٤٠)، والثاني كقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٨)} (الرحمن)، والثالث كقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)} (المزمل).
فَتَأَمُّلُ هذه الحكمة البالغة في تَغَايُر هذه المواضع في الإفراد والجمع والتثنية بحسب مَوَادِّها، يُطْلِعك على عظمة القرآن الكريم وجلالته، وأنه تنزيل من حكيم حميد.
فحيث جُمِعَت، كان المُراد بها مَشَارِق الشمس ومَغَارِبها في أيام السنة؛ وهي مُتعددة.
وحيث أُفردت كان المُراد أُفُقَي المَشْرِق والمَغْرِب.
وحيث ثُنّيا كان المُراد مَشْرِقَي صُعودها وهُبوطها ومَغْرِبيهما، فإنها تَبتدئ صاعدة حتى تنتهي إلى غاية أَوْجِها وارتفاعها، فهذا مَشْرِق صُعُودِها، وينشأ منه فصلا الخريف والشتاء. فجعل مَشْرِق صُعودها بجُملته مَشْرِقًا واحدًا، ومَشْرِق