هُبوطها بجُملته مَشْرِقًا واحدًا، ويُقابِلها مَغْرِباها؛ فهذا وجه اختلاف هذه في الإفراد والتثنية والجمع.
وأما وجه اختصاص كل موضع بما وقع فيه، فلم أَرَ أحدًا تعرض له ولا فتح بابه، وهو بحمد الله بَيِّن من السِّيَاق، فتأمل وُرُوده مُثَنًّى في سورة الرحمن؛ لما كان مَسَاق السورة مَسَاق المثاني المُزْدَوَجَات، فَذَكَر أولًا نوعي الإيجاد: وهما الخلق والتعليم، ثم ذَكَر سِرَاجَي العالم ومَظْهَري نوره: وهما الشمس والقمر، ثم ذَكَر نَوْعَي النبات، ما قام منه على ساق وما انبسط منه على وجه الأرض: وهما النجم والشجر، ثم ذَكَر نَوعَي السماء المرفوعة والأرض الموضوعة، وأخبر أنه رفع هذه ووضع هذه ووسَّطَ بينهما ذِكْر الميزان، ثم ذَكَر العدل والظلم في الميزان، فأمر بالعدل ونهى عن الظلم، ثم ذَكَر نَوعَي الخارج من الأرض: وهما الحبوب والثمار، ثم ذكر خَلْق نوعي المكلفين: وهما نوع الإنسان ونوع الجان، ثم ذَكَر نوعي المَشرِقَين ونَوعَي المَغْرِبين، ثم ذكر بعد ذلك البحرين: الملح والعذب.
ثم تأمل ورُودهما مُفْرَدين في سورة المُزَّمِّل؛ لمَّا تقدمهما ذِكْر الليل والنهار، فأَمَر رسولَه - صلى الله عليه وسلم - بقيام الليل، ثم أخبره أن له في النهار سَبْحًا طويلًا، فلما تقدم ذِكْر الليل وما أُمِر به فيه، وذِكْر النهار وما يكون منه فيه، عَقَّب ذلك بذِكْر المَشْرِق والمَغْرِب اللذين هما مَظْهَر الليل والنهار، فكان ورُودُهما مُفَردين في هذا السياق أحسن من التثنية والجمع؛ لأن ظهور الليل والنهار هما واحد، فالنهار أبدًا يظهر