بخلاف الأول والآخِر، فإن الأولية لا تُجامِع الآخِرية؛ ولهذا فَسَّرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:«أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء»(١). فأَوَّليته أزليته، وآخريته أبديته.
فإن قلت: فما تصنع بقوله: {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} فإن ظُهوره تعالى ثابت مع بُطُونه، فيجتمع في حقه الظُّهور والبُطُون، والنبي - صلى الله عليه وسلم - فَسَّر الظاهر: بأنه الذي ليس فوقه شيء، والباطن: بأنه الذي ليس دونه شيء، وهذا العلو والفوقية مُجامِع لهذا القرب والدنو والإحاطة؟
قلت: هذا سؤال حسن، والذي حَسَّن دخول الواو ههنا: أن هذه الصفات مُتقابلة مُتضادة، وقد عُطِف الثاني منها على الأول؛ للمقابلة التي بينهما، والصفتان الأُخريان كالأُوليين في المُقابلة، ونِسبة الباطن إلى الظاهر كنسبة الآخِر إلى الأول، فكما حَسُن العطف بين الأُوليين، حَسُن بين الأُخريين.
فإذا عُرِف هذا فالآية التي نحن فيها يتضح بما ذكرناه معنى العطف وتركه فيها؛ لأن كل صفة لم تُعطف على ما قبلها فيها، كان فيه تنبيه على أنها في اجتماعها كالوصف الواحد لموصوف واحد فلم يحتج إلى عطف، فلما ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وهما مُتلازِمان مُسْتَمَدَّان من مادة واحدة - حَسُن العطف؛ ليتبين أن كل وصف منهما قائم على حِدَتِه، مطلوب تعيينه، لا يكتفي فيه بحصول الوصف الآخر، بل لا بد أن يظهر أمره بالمعروف بصريحه، ونهيه عن المنكر بصريحه. وأيضا فَحَسَّن العطف ههنا ما تقدم من التضاد، فلما كان الأمر بالمعروف والنهي