للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مادة الخير والبِر في دار القرار، وبذره وأصله وأساسه، فوا أسفاه على أوقات مضت في الغفلات، ووا حسرتاه على أزمان تَقَضَّت بغير الأعمال الصالحات، وواغوثاه من قلوب لم يُؤَثِّر فيها وعظ بارئها، ولم ينجع فيها تشويق من هو أرحم بها منها. فلك اللهم الحمد، وإليك المُشتكى، وبك المُستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك» (١).

٤٥ - قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧)} (الليل).

قال ابن القيم - رحمه الله -: «وذلك يتضمن تيسيره للخير وأسبابه، فيجري الخير ويُيسر على قلبه ويديه ولسانه وجوارحه، فتصير خصال الخير مُيسَّرة عليه مُذللة له مُنقادة، لا تستعصي عليه ولا تَسْتَصْعِب؛ لأنه مُهيأ لها، مُيسَّر لفعلها، يسلك سبلها ذُلُلًا، وتُقاد له علمًا وعملًا، فإذا خَالَلْتَه قلت هو الذي قيل فيه:

مُباركُ الطَّلْعَة ميمونها ... يصلح للدنيا وللدينِ» (٢).

٤٦ - قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)} (التكاثر).

قال ابن القيم - رحمه الله -: «وكل من كاثر إنسانًا في دنياه أو جاهه أو غير ذلك، شغلته مُكَاثَرته عن مُكَاثَرة أهل الآخرة. فالنفوس الشريفة العلوية ذات الهمم العالية إنما تُكاثر بما يدوم عليها نفعه، وتكمل به وتزكو، وتصير مُفْلِحة، فلا تُحب أن يكثرها غيرها في ذلك، ويُنافسها في هذه المُكاثرة، ويُسابقها إليها؛ فهذا هو التكاثر الذي هو غاية سعادة العبد ... وصاحب هذا التكاثر لايهون عليه أن يرى غيره أفضل منه قولًا، وأحسن منه عملًا، وأغزر علمًا، وإذا رأى غيره أكثر منه


(١) تفسير السعدي (ص ٨٩٤).
(٢) التبيان في أقسام القرآن (ص ٦١ - ٦٢).

<<  <   >  >>