للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا من شهد أنه كلام الله، تكلم (به) (١) حقًّا، وأنزله على رسوله وحيًا، ولا ينال معانيه إلا من لم يكن في قلبه حرج منه بوجه من الوجوه، فمن لم يؤمن بأنه حق من عند الله، ففي قلبه منه حرج، ومن لم يؤمن بأن الله سبحانه تكلم به وحيًا وليس مخلوقًا من جملة مخلوقاته، ففي قلبه منه حرج، ومن قال: إن له باطنًا يخالف ظاهره، وإن له تأويلًا يُخالِف ما يُفْهَم منه ففي قلبه منه حرج، ومن قال: إن له تأويلًا لا نفهمه ولا نعلمه وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ففي قلبه منه حرج.

وأنت إذا تأملت قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، وأعطيت الآية حقها من دلالة اللفظ وإيمائه وإشارته وتنبيهه وقياس الشيء على نظيره واعتباره بِمُشاكِله وتأملت المشابهة التي عقدها الله سبحانه وربطها بين الظاهر والباطن- فهمت هذه المعاني كلها من الآية وبالله التوفيق» (٢).

وقال في موضع آخر: «وأنت إذا تأمَّلت قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} (الواقعة)، وجدت الآية من أظهر الأدلة علَى نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ هذا القرآن جاء من عند الله، وأنَّ الذي جاء به رُوح مُطهَّر، فما للأَرواح الخبيثَة عليه سبيل؛ ووجدت الآية أُختَ قوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠)} (الشعراء)، {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١)} (الشعراء)، ووجدتها دالة بأحسن الدَّلالَة على أنَّه لا يَمس المصحف إلا طاهر، ووجدتها دالة أيضًا بِألطف الدَّلالَة على أنَّه لا يجد حلاوته وطعمه إلا من آمن به وعمل به، كما


(١) في الأصل: (بها).
(٢) التبيان في أقسام القرآن (١/ ٢٣٠ - ٢٣١).

<<  <   >  >>