الحمدُ لله الحكيمِ الكريم، العَليِّ العظيم، السَّميعِ العليم، الرَّؤوفِ الرَّحيم، الذي أسبغَ على عِبادِه النِّعمة، وكَتَبَ على نفسِهِ الرَّحمة، وضمَّنَ الكتابَ الذي كَتَبَه، أنَّ رحمتَه تغلبُ غضبَه، فهو أرحمُ بعبادِه مِن الوالدةِ بولدِها، كما هو أشدُّ فَرَحاً بتوبة التائبِ مِن الفاقدِ لراحلته التي عليها طعامُهُ وشرابُهُ في الأرض المَهْلِكَةِ إذا وجَدَها.
وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له رَبُّ العالمين، وأرحمُ الرَّاحمين، الذي تعرَّف إلى خَلْقِهِ بصفاتِهِ وأسمائِه، وتحبَّبَ إليهم بإحسانِهِ وآلائِه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُه؛ الذي خَتَمَ به النَّبيين، وأرسلَهُ رحمةً للعالمين، وبعثَه بالحنيفية السَّمحةِ والدِّين المهيمن على كلِّ دِين، فوَضَعَ به الآصارَ والأغلال، وأغنى بشريعتِه عن طُرُقِ المكرِ والاحتيال، وفَتَحَ لمن اعْتصمَ بها طريقاً واضحاً ومَنْهجاً، وجعلَ لمن تمسَّك بها مِن كلِّ ما ضاق عليه فَرَجاً ومَخرجاً، فعندَ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ السَّعَةُ والرَّحمة، وعند غيرِه الشِّدةُ والنِّقمة. فما جاءَه مكروبٌ إلا وَجَدَ عنده تفريجَ كُرْبته، ولا لهفانُ إلا وَجَدَ عنده إغاثةَ لَهْفتِه.
فما فَرَّقَ بين زوجين إلا عن وَطَرٍ واختيار، ولا شتَّتَ شَمْلَ مُحبَّين إلا عن إرادةٍ منهما وإيثار، ولم يخرِّب ديار المحبين بِغَلَطِ اللسانِ، ولم يُفرِّقْ بينهم بما جرى عليه مِن غير قَصْدِ الإنسان،