للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه السادس: وهو أنَّ الخوفَ في قَلْبِ المُكْره كالغضبِ في قَلْبِ الغضبان، لكن؛ المُكْره مقهورٌ بغيرِه مِن خارج، والغضبان مقهورٌ بغضبه الداخلِ فيه، وقَهْرُ الإكراه يُبطل حُكْمَ الأقوال التي أُكره عليها، ويجعلها بمنزلة كلام النَّائمِ والمجنون، دون حُكْم الأفعال، فإنه يُقتل إذا قَتَلَ، ويَضمنُ إذا أَتلفَ. فكذلك قَهْرُ الغضبِ، يُبطل حكمَ أقوال الغضبان، دون أفعالِه، حَتَّى لو قَتَلَ في هذه الحال قُتِلَ، أو أتلفَ شيئاً ضمِنه. هذا كلُّه في الغضبان الذي يكره ما قاله حقيقةً، فأما مَن هو مريدٌ له على تقدير عَدَمِ غضبه؛ لاقتضاء سبب (١) ذلك فليس مِن هذا الباب، كمن زَنَتِ امرأتُه؛ فغضبَ؛ فطلَّقها؛ لأنه لا يرى المقام مع زانية، فلم يقصدْ بالطلاق إطفاءَ نارِ الغضب، بل التخلُّص مِن المقام مع زانية، فهذا يقع طلاقُه.

فتأمَّلْ هذا الفَرْقَ؛ فإنَّه حرف (٢) المسألة ونكتتُها، وهذا بخلاف مَن خاصمتُه امرأتُه، وهو يعلمُ مِن نفسِه إرادةَ المقام معها على


(١) في مطبوعة القاسمي: «السبب».
(٢) «حرف» كذا بالأصل، ولعل صوابه: «سر». (قاسمي).
قلتُ: الحرف مِن كلِّ شيءٍ: طَرَفه وشَفيره وحدّه .. وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: ١١] أي: وجه واحد. «القاموس المحيط» مادة (حرف).

<<  <   >  >>