للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويلقي ما في يدِه؛ دفعاً لألم الغضب، وإلقاءً لحمله عنه، وكذلك يدعو على نفسِه وأحبِّ النَّاسِ إليه، فهو يتكلَّمُ بصيغةِ الطَّلَبِ والاستدعاءِ والدُّعاء، وهو غيرُ طالب لذلك في الحقيقة، فكذلك يتكلَّمُ بصيغة الإنشاءِ وهو غيرُ قاصدٍ لمعناها.

ولهذا يأمر الملوكُ وغيرُهم عند الغضب بأمورٍ يَعلمُ خواصُّهم أنَّهم تكلَّموا بها دفعاً لحرارة الغضب، وأنَّهم لا يريدون مقتضاها، فلا يمتثله خواصُّهم، بل يؤخِّرونه، فَيَحْمَدُونهم على ذلك إذا سَكَنَ غضبُهم.

وكذلك الرَّجُلُ - وقتَ شدَّةِ الغضبِ - يقومُ ليبطش بولده، أو صديقه، فيحولُ غيرُه بينه وبين ذلك، فيحمدهم بعد ذلك، كما يحمد السَّكرانُ والمحمومُ ونحوهما مَن يحول بينه وبين ما يَهُمُّ بفعلِه في تلك الحال.

الوجه الرابع: أنَّ العاقلَ لا يستدعي الغضبَ، ولا يريده، بل هو أكرَهُ شيء إليه، وهو كما قال النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «جَمْرةٌ في قلبِ ابنِ آدَمَ؛ أَمَا رأيتُمْ مِنِ احمرارِ عَيْنِهِ وانتفاخِ أودَاجِه» (١).


(١) رواه أحمد (٣/ ٧، ١٩، ٦١، ٧٠)، والترمذي (٢١٩١)، وابن ماجه (٢٨٧٣، ٤٠٠٠، ٤٠٠٧)، والحاكم (٤/ ٥٠٥)، والبيهقي (٧/ ٩١) من طريق: علي بن زيد بن جُدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، به، مرفوعاً في حديث طويل بليغ.
قلتُ: علي بن زيد بن جُدعان - على ضعفه - يكتب حديثه في المتابعات والشواهد، وقد تُوبع على جميع جُمَلِ هذا الحديث، وتفرَّد في سياقه بطوله مجموعاً.
قال الترمذي: هذا حديث حسن - وزاد في بعض النسخ: صحيح.
قال ابن حجر: هذا حديث حسن، ... وعلي بن زيد وإنْ كان فيه ضَعْف لاختلاطه؛ لكن سياقه لهذا الحديث بطوله يدلُّ عَلَى أنَّه ضَبَطَه .... «الأمالي المطلقة» ص (١٦٤، ١٧٠).

<<  <   >  >>