للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأبو حنيفة يُفرِّقُ بين الطَّويل الزائد على اليوم والليلة فيُلحِقُه بالجنون، وبين القصير الذي هو دون ذلك فيُلحِقُه بالنوم (١).

وقد يُنكرُ كثيرٌ مِن النَّاسِ أن الغضبَ يُزيلُ العقلَ، ويبلغُ بصاحبه إلى هذه الحال، فإنَّه لا يعرفُ مِن الغضبِ إلا ما يجدُ مِن نفسِه، وهو لم يعلم غضباً انتهى إلى هذه الحال. وهذا غَلَطٌ، فإن النَّاسَ متفاوتون في الغضب تفاوتاً عظيماً، فمنه ما هو كالنَّشوة، ومنه ما هو كالسُّكْرِ، ومنه ما هو كالجنون، ومنه ما هو سريعُ الحصول سريعُ الزَّوال، وعكسه، ومنه سريعُ الحصول بطيءُ الزَّوال، وعكسه، كما قسَّمه النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلى هذه الأقسام (٢). وقِوى النَّاس متفاوتة تفاوتاً عظيماً في ملك تقواهم (٣) عند الغضبِ والطمعِ والحزنِ والخوفِ والشهوةِ، فمنهم مَن يملِكُ ذلك ويتصرَّفُ فيه، ومنهم مَن يملكه ذلك ويتصرَّفُ فيه.

الوجهُ الخامسَ عشَرَ: أنَّ الغضبان الذي قد انغلقَ عليه القصدُ والرأيُ في الغضبِ - وقد صار إلى الجنون العارضِ أقربَ منه إلى العقلِ الثابتِ - أَولى بعدم وقوع طلاقِه مِن الهازلِ المتلفِّظِ بالطلاق في حال


(١) «المسيوط» (١/ ٢١٧).
(٢) تقدم تخريجه ص (٦٦)، من حديث أبي سعيد الخدري.
(٣) «تقواهم» كذا في الأصل. ولعل الصواب: «قواهم» والله أعلم.

<<  <   >  >>