للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الحاديْ عشَرَ: وهو أنَّ مِن النَّاسِ مَن إذا لم يُنفذْ غضبَه قَتَلَه غضبُه ومات، أو مرِضَ، أو غُشي عليه، كما يُذكرُ عن بعض العرب: أنَّ رَجُلاً سَبَّه؛ فأراد أنْ يَردَّ [على السَّابّ] (١) فأمسكَ جليسٌ له بيده على فَمِهِ، ثم رَفَعَ يدَه لما ظَنَّ أنَّ غضبَه قد سَكَنَ، فقال: «قتلتني! رَدَدتَ غضبي في جوفي» (٢). ومات مِن ساعتِه. فإذا نفذ مثل هذا غضبه بقَتْل أو ظُلم لغيره لم يُعذَرْ بذلك كالسَّكران، وأما إذا نَفذَ بقولٍ فإنَّه يمكن إهدار قوله، وألَاّ يترتَّب أثره عليه، كما أهدر الله سبحانه دعاءَه ولم يرتِّبْ أثرَه عليه، ولم يستجبه له.

ولهذا ذهب بعضُ الفقهاءِ إلى أنه لا يجلد بالقذف في حال الخصومة والغضب، وإنما يُجلد به إذا أتى به اختياراً وقَصْداً لقذفِه. وهو قولٌ قويٌ جداً، ويدلُّ عليه: أنَّ الخصم لا يُعذر (٣) بجَرْحِه


(١) في الأصل: «عن السباب»، ولعل الأرجح ما أثبته كما في مطبوعة القاسمي.
(٢) أورد القصة بتمامها: المصعب الزبيري في «نسب قريش» ص (١٦٢)، ورواها ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٥٧/ ٣١٠) - ترجمة مروان بن عبد الملك بن مروان - ونصُّها: فأمَّا مروان، فإنَّه حجَّ مع الوليد بن عبد الملك؛ فلما كان بوادي القُرَى، جرى بينه وبين أخيه الوليد بن عبد الملك محاورةٌ، والوليدُ يومئذٍ خلفيةٌ؛ فغضب الوليد، فأَمصَّهُ؛ فتَفَوَّهَ مروان بالردِّ عليه؛ فأَمسك عمرُ بن عبد العزيز على فيهِ، فمنعه من ذلك؛ فقال لعمر: «قتلتَني! رَدَدْتَ غيظي في جوفي! » فما راحُوا من وادي القُرَى حَتَّى دفنوه.
(٣) كذا في الأصل: «لا يعذر» ثم علَّق الشيخ محمد بن مانع - رحمه الله - بخطه ما صورته: لعله «يعذر» و «لا» زائدة.

<<  <   >  >>