للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «ليس الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، ولكنَّه الذي يَملِكُ نفسَه عند الغَضَبِ» (١).

قيل: مِن الغضبِ ما يمكن صاحبه أنْ يملِك نفسَه عنده، وهو الغضب في مبادِئه، فإذا استحكم وتمكَّن منه لم يملك نفسَه عند ذلك، وكذلك الحزنُ الحاملُ على الجزعِ يمكن صاحبه أنْ يملِكَ نفسَه في أوَّلِه، فإذا استحكمَ وقهر لم يملك نفسَه. وكذلك الغضبُ، يمكن صاحبُه أنْ يملكَ نفسَه في أوَّلِه، فإذا تمكَّن واستولى سلطانُه على القلب؛ لم يملك صاحبُه قلبَه، فهو اختياري في أوَّلِه؛ اضطراري في نهايته، كما قال القائل:

يا عاذلي والأمرُ في يَدِهِ ... هلا عَذلتَ وفي يدي الأَمْرُ

وهكذا السَّكران: سببُ السُّكر مقدورٌ له، يمكنه فِعْلُه وتَرْكُه، فإذا أتى بالسبب، خَرَجَ الأمرُ عن يدِه، ولم يملك نفسَه عند السُّكْر. فإذا كان السُّكْر الذي هو مفرِّطٌ بتعاطي أسبابه، ويقدِرُ على مَلْكِ نفسِه باجتنابها، قد عَذَرَ الصحابةُ وغيرُهم مِن الفقهاء صاحبَه إذا طلَّق في هذه الحال، مع كونه غيرَ معذورٍ في تعاطي سببه - فَلَأَنْ يُعذَرَ سكرانُ الغضبِ الذي لم يُفرِّطْ مع شِدَّةِ سُكْرِه على سُكْرِ الخمر أَولى وأَحرى.


(١) رواه البخاري (٦١١٤)، ومسلم (٢٦٠٩) من حديث أبي هريرة.
قال ابن الأثير في «النهاية» (٣/ ٢٣): «الصُّرَعة - بضم الصاد وفتح الراء - المبالغ في الصِّراع الذي لا يُغلب، فنقله إلى الذي يَغلبُ نفسه عند الغضب ويقهرها». (قاسمي).

<<  <   >  >>