للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنَّه لا يُقال: «يفعلُ ما يشاء» إلا إذا كان مطلقَ الدَّواعي، وهو المختار، فأما مَن أُلزِمَ بفعلٍ معيَّنٍ؛ فلا، ولهذا يُقال: المُكْرَه غير مختار، ويُجعل قَسيمَ المختارِ؛ لا قِسماً منه.

ومَن سمَّاه مختاراً، فإنَّه يعني: أنَّ له إرادةً واختياراً بالقصد الثاني؛ فإنَّه يريد الخلاصَ مِن الشَّرِّ، ولا خلاصَ له إلا بفعلِ ما أُكرِه عليه، فصار مريداً له بالقصدِ الثاني، لا بالقصدِ الأولِ.

والغضبان الذي يمنعُهُ الغضبُ مِن معرفةِ ما يقول وقَصْدِه، فهذا مِن أعظم الإغلاق، وهو في هذا الحال بمنزلة المُبَرْسَمِ والمجنون والسَّكْران، بل أسوَأُ حالاً مِن السَّكران؛ لأنَّ السَّكران لا يقتُلُ نفسَه، ولا يُلقي ولدَه مِن عُلُوٍّ، والغضبانُ يفعلُ ذلك، وهذا لا يتوجَّه فيه نِزاعٌ أنَّه لا يقعُ طلاقُه، والحديث يتناول هذا القسمَ قطعاً؛ وحينئذٍ فنقول: الغضبُ ثلاثةُ أقسامٍ (١) (٢):


(١) هذا التقسيم لشيخ الإسلام ابن تيمية كما صرَّح به المصنف نفسه في غير هذا الموضع، انظر: «إعلام الموقعين» (٤/ ٥٠)، و «زاد المعاد» (٥/ ٢١٥).
(٢) بهذا التقسيم يُرَدُّ على ابن المرابط حيث قال: الإغلاق حرج النفس، وليس كل مَن وَقَعَ له فارق عقله، ولو جاز عدم وقوع طلاق الغضبان لكان لكل أحد أن يقول فيما جناه: كنت غضباناً. نقله الحافظ في: «فتح الباري» (٩/ ٣٨٩) ووجه الرد: أنَّ الغضب ليس على إطلاقه كما فهمه، والمرء يُديَّن في ذَلِكَ كما حققه المؤلِّفُ في الوجه الحادي عشر والرابع عشر ومواضع أخر. (القاسمي).

<<  <   >  >>