للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمقصود ههنا: أنَّ هؤلاء فسَّروا «الإغلاقَ» بجَمْعِ الثَّلاثِ؛ لكونه أَغلقَ على نفسِه بابَ الرَّحمة؛ الذي لم يغلقْهُ الله عليه إلا في المرَّة الثالثة.

وأما الآخرون؛ فقالوا: «الإغلاقُ» مأخوذٌ مِن «إغلاق الباب»، وهو إرتاجُه وإطباقُه، فالأمرُ المغلَقُ ضِدُّ الأمرِ المنفرِجِ، والذي أُغلِقَ عليه الأمرُ ضِدُّ الذي فُرِجَ له وفُتِحَ عليه، فالمكرَهُ - الذي أُكرِهَ على أمْرٍ إنْ لم يفعلْه وإلا حَصَلَ له مِن الضَّرر ما أُكرِهَ إليه - قد أُغلِقَ عليه بابُ القصدِ والإرادةِ لما أُكرِهَ عليه، فالإغلاقُ في حَقِّه بمعنى إغلاقِ أبواب القَصْدِ والإرادة له، فلم يكن قلبُه منفتحاً لإرادة القول والفِعل الذي أُكرِهَ عليه، ولا لاختيارهما، فليس مُطْلَقَ (١) الإرادةِ والاختيارِ، بحيث إنْ شاءَ طلَّقَ، وإنْ شاءَ لم يطلِّقْ، وإنْ شاءَ تكلَّمَ، وإنْ شاءَ لم يتكلَّمْ، بل أُغلقَ عليه بابُ الإرادة إلا للذي قد أُكرِه عليه.

ولهذا قال النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «لا يقلْ أحدُكم: اللَّهُمَّ اغفِرْ لي إنْ شئتَ، اللَّهُمَّ ارْحمني إنْ شئتَ. ولكنْ؛ ليعزمِ المسألةَ، فإنَّ الله لا مُكرِهَ له» (٢)؛ فبيَّن النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ الله لا يفعل إلا إذا شاءَ؛ بخلاف المُكْرَه الذي يفعلُ ما لا يشاؤه،


(١) «مطلق» خبر ليس (قاسمي)، والتقدير: ليس هو مطلقَ.
(٢) رواه البخاري (٧٤٧٧)، ومسلم (٢٦٧٩) من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>