للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإجابة أسرعُ مِن تأثير الأسبابِ في أحكامِها؛ فإنَّ الله سبحانه يُجيبُ دعاءَ الصَّبيِّ، والسَّفيه، والمُبَرْسَم، ومَن لا يصِحُّ طلاقُه ولا عقودُه، فإذا كان الغضبُ قد مَنَعَ كون الدُّعاء سبباً؛ لأن الغضبان لم يقصدْهُ بقلبه؛ فإنَّ عاقلاً لا يختار إهلاكَ نفسِه وأهلِه، وذهابَ مالِه، وقَطْعَ يدِه ورِجْلِه، وغيرَ ذلك بما يدعو به، فاقتضتْ رحمةُ العزيزِ العليم ألَاّ يؤاخذه بذلك، ولا يجيبَ دعاءه؛ لأنَّه عن غير قَصْدٍ منه، بل الحاملُ له عليه الغضبُ الذي هو من الشيطان (١).

فإن قيل: إنَّ هذا ينتقِضُ عليكم بالحديث الذي رواه أبو داودَ، عن جابر بن عبد الله، عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّه قال: «لا تَدْعُوا على أنفسكم، ولا تَدْعُوا على أولادِكم، ولا على أموالِكم، ولا تَدْعُوا على خدمِكم، لا توافِقُوا مِن الله ساعةً لا يُسْألُ فيها شيئاً إلا أعطاهُ» (٢).

قيل: لا تنافيَ بين الآية والحديث؛ فإنَّ الآيةَ اقتضتِ الفرقَ بين دُعاءِ المختار ودُعاءِ الغضبان الذي لا يختارُ ما دعا به، والحديثُ دَلَّ على

أنَّ لله - سبحانه - أوقاتاً لا يردُّ فيها داعياً، ولا يُسألُ فيها شيئاً إلا أعطاه، فنهى الأمةَ أنْ يدعو أحدُهم عَلَى نفسِه، أو أهلِه،


(١) انظر: «شفاء العليل» (١/ ٤١٠).
(٢) رواه مسلم (٣٠٠٦)، وأبو داود (١٥٣٢)، من حديث جابر بن عبد الله.

<<  <   >  >>