للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد يشعُرُ أحدُهم بما قاله، ويستحي منه، وكذلك السَّكران؛ ولهذا لم يشرطْ أكثرُ الفقهاء - في كونه سكران - أنْ يُعْدَمَ تمييزُهُ بالكلية، بل قد قال الإمام أحمد وغيره: إنه الذي يخلِّطُ في كلامِه، ولا يَعرف رِداءَه مِن رِداءِ غيره، وفِعْلَه مِن فِعلِ غيره (١). والسُّنةُ الصَّريحة الصحيحةُ تدلُّ عليه، فإنَّ النبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمرَ أنْ يُسْتَنْكه (٢) مَنْ أقرَّ بالزنا (٣)، مع أنه حاضرُ العقلِ والذِّهنِ، يتكلَّمُ بكلامٍ مفهومٍ ومنتظمٍ، صحيحُ الحركة، ومع هذا فجوَّزَ النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنْ يكون به سُكْرٌ يحول بينه وبين كمال عقلِه وعلمه، فأمر باستنكَاهِهِ (٤).

والمقصودُ: أنَّ هؤلاء ليسوا مسلوبي التمييز بالكليَّةِ، وليسوا كالعقلاء الذين لهم قَصْدٌ صحيحٌ، فإنَّ ما عَرَضَ لهم أوجب تَغيُّرَ العقلِ الذي مَنَعَ صحةَ القصد، فلم يبقَ أحدُهم يقصِدُ قَصْدَ العقلاءِ الذي مرادُه جَلْبُ ما ينفع، ودَفْعُ ما يضرُّ، فلم يتصور أحدُهم لوازمَ ما تكلَّم به ولا غابَ عقلُه عن الشعور به، بل هو ناقص التصور؛ ضعيف القصد، والغضبانُ في حال غضبه قد يكون أسوأ حالاً مِن


(١) «المغني» (٧/ ٢٩٠).
(٢) في الأصل: «يستكنه».
(٣) تقدم تخريجه ص (٨١).
(٤) «باستنكاهه» في الأصل: «باستنكاه» والمثبت من مطبوعة القاسمي.

<<  <   >  >>