لما ذكر الشيخ: أن من حكمته تعالى أنه لم يبعث نبيًا من نوح إلى محمد ﷺ إلا وجعل له أعداء يكذبونه ويؤذونه ويحاربونه وأتباعه، فابتلى الله الرسل وأتباعهم بأعدائهم، وأعداء الرسل هم في الحقيقة أعداء لأتباعهم المؤمنين ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (٣١)﴾ [الفرقان]، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢]؛ أي: أعداء من الجن وأعداء من الإنس، فشياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس بالوسوسة والشبهات والمخاصمات ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون (١١٢)﴾ [الأنعام].
ذكر الشيخ هنا في هذا الفصل أنه يجب على المسلم أن يعلم أن هؤلاء الأعداء أصحاب علوم وفصاحة، ولهم مؤلفات وحجج هم مغرورون وفرحون بها، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [غافر: ٨٣]؛ لا سيما في هذا العصر الذي فيه كم هائل من العلوم والفصاحة والكتب والمؤلفات عند أعداء الرسل من اليهود والنصارى والمشركين.
ومن تلك الشبه أن المشركين قالوا للمسلمين: أنتم تأكلون ما تقتلونه بأيديكم وهو عندكم حلال، وأما ما يقتله الله فأنتم تحرمونه، وجوابها ذكر في سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ