للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان ما أكلت قد شَدَّ ظهري، فوثبت إليه ووثب إليّ، وقام الناس، وزُلزل البهو بأهله، وكادوا والله يطردونني لولا أن ظهر صاحبي، فانفرد بالمملوك فأرضاه عني وجاء فقعد معي.

وإنّا لكذلك يا شيخ، وإذا بالأنوار تنطفئ، وإذا بالخيل تهجم علينا مسرعة حتى كادت والله تخالطنا. فقلت: لك الويل يا صْلَبي، ثكلتك أمك، إنه الغزو فما قعودك؟ وقفزت قفزاتي في البادية، وصرخت وهجمت أدوس على أجساد الناس وهم يضجُّون ويصخبون، فلما كدت أبلغ الخيل اشتعلت الأنوار وفرّ العدوّ من خوف بطشي هارباً، وجاء عبيد السلطان ليخرجوني فردّهم عني صاحبي وكلمهم.

فقلت: هذا والله العجز والذل، فقبح الله من يقيم عليهما! ترون العدوّ قد خالطكم وتلبثون قعوداً؟ ما أكرَهَكم إليّ يا أهل المدن، ما ظننت والله إلا أنكم ستحملون إليّ صلة السلطان على أن رددت عدوَّكم وهزمته.

فضحك اللئام، وجعل صاحبي يحذرني العودة إلى مثلها. ولم ألبث حتى أُطفئت الأنوار كَرّةً أخرى، ففزعت ونظرت، فما أحسست إلا امرأة قد قبض عليها رجل خبيث يحاول أن ينال منها على مرأى منا ومسمع، وهي تستغيث وأنا أسمع صياحها ولا من مغيث. فثارت الحمية في رأسي، وسللت الخنجر وأقبلت أريده، فاختفى والله حتى كأنْ لم يكن هناك من أحد، وعادت الأضواء ورجع الصخب، فقلت: والله ما أقيم. وجعلت أصيح: أخرجوني، ويلكم أخرجوني!

* * *

<<  <   >  >>