[كنت أبحث في أوراقي القديمة، فخرجت في يدي صورة لغلام في التاسعة من عمره، بطربوش طويل وإزار (سركس) لا ينزل عن الركبتين إلا قليلاً، فوقه سترة ضيقة وتحته جوارب غلاظ وحذاء قديم، فرَجَعتْني هذه الصورة ثماناً وثلاثين مرحلة من طريق العمر، رجعتني إلى سنة ١٩١٧.]
... وأمسكت بها أنعم النظر إليها لا أستطيع تركها، وأشعر كأني أعرف هذا الغلام، وأجد أن له من المحبة في قلبي أكثر مما لولدي! ولكن من هو؟ وما صلتي به؟ لست أذكر!
وغبت في نفسي موغلاً في مسارب الماضي، وأبصرت الصبي يتحرك وتنصَبُّ الحياة فيه، ثم رأيته يخرج من الصورة بشراً يتكلم ويمشي كالذي تراه في الأفلام! فدنوت منه أحاول أن أمسّه، فإذا هو يتفلّت مني ويروغ، يحاول أن يدخل في هذا الضباب المنتشر من حولي والذي أظلمت منه الدنيا. ولم يكن في يدي إلا مصباح شاحب الضوء تخرج منه خيوط قليلة من النور، فكنت كلما حاولت أن أخترق بمصباح الذكرى ضباب النسيان