إذا رأيتم رجلاً يمشي في الطريق منفوش الشعر شارد النظر، قد لبس معطفه على القفا ومشى على غير هدى، قلتم إنه مجنون. وقد يكون مجنوناً، ولكنه قد يكون فيلسوفاً أو شاعراً أو رياضياً!
وإذا سمعتم أن رجلاً لا يفرق بين السراويل والقميص ولا بين الجمعة والخميس قلتم إنه مجنون، ولكن أناتول فرانس (والعهدة على الراوي جان جاك روسو) دُعي إلى وليمة يوم الأحد، فذهب يوم السبت ولبث ينتظر متعجباً من تأخر الغداء، ولبثت ربة الدار تنظر متعجبة من هذه الزيارة المفاجئة، ثم لم يرضَ أن يصدق أنه يوم السبت! فهل كان أناتول، نابغة قومه في البلاغة وباقعة العصر، مجنوناً؟
وإذا شاهدتم رجلاً يعتزل في كوخ أو ينفرد في غار، ولا يقبل على الدنيا ولا يكلم الناس، قلتم إنه مجنون. ولكن الغزالي عاف الدنيا وقد اجتمعت له، والمجدَ وقد أقبل عليه، والرياسةَ وقد أتته منقادةً تسعى إليه، وحبس نفسه في أصل منارة الجامع الأموي في دمشق. فهل كان الغزالي، حجة الإسلام وعَلَم الأعلام، مجنوناً؟