انفضَّ السامرون بعدما صدّعوا رأسي بأحاديث الانتخابات والنيابات، والمطامع المكسوَّة بأثواب القناعة والمنافع المتَّشحة بوشاح الإخلاص. وكان هزيع من الليل، فتنفست الصعداء وخرجت إلى «المَشْرَقة»(١) أشرف على دمشق. وإن دمشق وغوطتها وسبع عشرة قرية من قراها لتبدو للناظر من شرفة داري في «المهاجرين» واضحة كأنها صفحة الكف، يأخذ منها فضاءً عرضُه خمسون كيلاً بنظرة واحدة من علو مئتي متر. وكانت ليلة ساكنة رَخِيّة النسيم، قد زانها بدر شعبان، فوقفت أمتع النفس بها وآنس بسكون الكون بعد ضجة المجلس، ورحب الفضاء بعد
(١) من البيوت الشامية القديمة ما كان بطابق واحد ومنها ما كان بطابقين، فإذا كان البيت بطابقين لزم أن يوجد فيه دَرَج يصل طابقه الأرضي بطابقه العلوي. ولم يكن هذا الدرج داخلياً كما هو في أبنية اليوم، بل كان يبدأ من طرف «الدِّيار» (وهو المساحة الواسعة أو الباحة التي تنفتح عليها غرف الدار في الطابق الأرضي) وينتهي بمساحة مكشوفة أصغر منها تنفتح عليها غرف النوم في الطابق العلوي، وهذه المساحة العلوية هي التي كانت تُسمَّى «المَشْرَقة» (مجاهد).