يا بنتي، أنا رجل يمشي إلى الخمسين (١)، قد فارق الشباب وودّع أحلامَه وأوهامَه، ثم إني سِحْتُ في البلدان ولقيت الناس وخَبِرتُ الدنيا، فاسمعي مني كلمة صحيحة صريحة من سني وتجاربي لم تسمعيها من غيري.
لقد كتبنا ونادينا ندعو إلى تقوم الأخلاق ومحو الفساد وقهر الشهوات، حتى كَلَّتْ منّا الأقلامُ ومَلَّت الألسنة، وما صنعنا شيئاً ولا أزلنا منكراً، بل إن المنكرات لتزداد والفساد ينتشر، والسفور والحسور والتكشف تقوى شِرَّته وتتسع رقعته، ويمتد من بلد إلى بلد، حتى لم يبقَ بلد إسلامي -فيما أحسب- في نَجْوَة منه. حتى الشام التي كانت فيها الملاءة السابغة، وفيها الغلوّ في حفظ الأعراض وستر العورات، قد خرج نساؤها سافرات حاسرات
(١) حينما نشرت «دار المنارة» هذه الرسالةَ أول مرة أضاف جدي تعليقاً في هذا الموضع قال فيه: "كان ذلك يوم كتابة المقالة، وهو اليوم -سنة ١٤٠٦هـ- يقرع أبواب الثمانين". أما اليوم، وأنا أراجع هذا الكتاب في طبعته الجديدة، فقد مضى على فراقه لنا في هذه الدنيا إحدى عشرة سنة، عليه رحمة الله (مجاهد).