كنت أقرأ في ترجمة كانْت، الفيلسوف الألماني الأشهر، أنه كان لجاره ديك قد وضعه على السطح قبالة مكتبه، فكلما عمد إلى شغله صاح الديك فأزعجه عن عمله وقطع عليه فكره. فلما ضاق به بعث خادمه ليشتريه ويذبحه ويطعمه من لحمه، ودعا إلى ذلك صديقاً له، وقعدا ينتظران الغداء، ويحدّثه عن هذا الديك وما كان يلقى منه من إزعاج وما وجد بعده من لذة وراحة، ففكّر في أمان واشتغل في هدوء، فلم يقلقه صوته ولم يزعجه صياحه.
ودخل الخادم بالطعام، وقال معتذراً إن الجار أبى أن يبيع ديكه فاشترى غيره من السوق، فانتبه كانْت، فإذا الديك لا يزال يصيح!
فكّرتُ في هذا الفيلسوف العظيم، فرأيته قد شقي بهذا الديك لأنه كان يصيح وسَعِدَ به وهو لا يزال يصيح، ما تبدّل الواقع، ما تبدّل إلا نفسه؛ فنفسه هي التي أشقته لا الديك، ونفسه هي التي أسعدته. وقلت: ما دامت السعادة في أيدينا فلماذا نطلبها من غيرنا؟ وما دامت قريبة منا فلماذا نبعدها عنا، إذ نمشي