للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن أصغر جندي وأحقر صعلوك، فلم تعد لك تانك العينان اللتان تبرقان فترتجف لبريقهما أقسى القلوب، وذانك الشاربان القائمان كساريتَي مركب، وذلك الصوت القوي الذي كان يصيح بالجنود: إلى الأمام ... أي إلى الموت، إلى الثكل، إلى اليُتْم، إلى الحرب، جحيم الحياة الدنيا! (١)

وأنت أيها الآخر: أأنت ذلك الجندي؟ ما لك تقف جامداً؟ هذا قائدك. ألا تضم شفتيك وتثبت بصرك وتزوي ما بين عينيك، وتأخذ هيئة الجِدّ لتؤدي التحية العسكرية؟ ويحك! أما أنت جندي؟ هل أنت امرأة؟ أأنتِ عشيقة القائد العظيم، رآكِ مُنصرَفَه من المعركة التي طوّح فيها بالمئات من شباب أمته في سبيل العدوان على بقعة ليست له، أو إعطائها إلى غير أصحابها ومنحها لبعض الطارئين من الشعوب الذليلة المسكينة (٢)، فماتوا كلهم ولم يقدروا على شيء، لأن للحق قوة كقوة النار والحديد؟ أأنت التي اخترقَتْ سهامُ لَحْظها هذا القلب الذي طالما هزئ بالقنابل والمدمرات، فجاء يصب جبروته على قدميك، وأصبح هذا الذي يصرّف عشرات الألوف من الكُماة المستلئمين تصرّفينه وتجرّينه من زمامه، حتى صار يفكر فيك وهو في ساحة الحرب، يزلزل الأرض تحت أقدام أهلها ويتأمل صورتك والعدو على أبواب معسكره، لا يخاف عليه أن يحتله الأعداء، إنما يخاف عليك أن تضم جسَمك غيرُ ذراعيه؟


(١) الحرب ما لم تكن لإعلاء كلمة الله، أو لدفع المعتدين وتثبيت الدين ورد المستعمرين الغاصبين، فهي بلاء شامل وشر مبين.
(٢) كاليهود الصهيونيين!

<<  <   >  >>