للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انتقده أحد نادى: يا ضيعة الدين ويا بَوار الأخلاق!

وهذا فصل آخر يمثله السائق: يقف في المحطة يشتري طبق الفول ورغيف الخبز، ويتباطأ بعدها في سيره ليأكله، حتى إذا وجد أنه تأخر وفاته الموعد أسرع إسراع المجنون، ولم يمهل المرأة لتُركب ولدها وتركب بعده، فيبقى الولد في الترام خائفاً يصيح ويبكي يكاد يلقي نفسه، وأُمُّه تعدو وراء الترام، والناس يصرخون من كل جانب!

* * *

وفي الترام دليل على طباع كل قطر ونموذج من حياته؛ ففي الشام عراك على النزول والصعود وتسابق فظيع إلى المقاعد، لأن فيه شعباً حديث عهد بالجهاد والنضال، ولأن خطّ الترام له أول وله آخر، فالناس يركبون معاً وينزلون معاً. وفي مصر تدور أكثر الترامات دوَران السّواني (١) وتَكُرُّ كَرَّ الأيام، لا أول لها ولا آخر، والناس ينزلون ويصعدون في كل مكان، وفي مصر شعب وادع أنيس، فإذا فرغ مقعد في الدرجة الأولى رأيت كلاًّ يدعو الآخرَ إليه.

والفرق في الشام وبيروت بين ركاب الدرجة الأولى والثانية قليل لا يكاد يظهر في زيّ ولا حديث، وهو في مصر ظاهر بَيِّن، لأن شعار مصر التفاوت في كل شيء، فليس في الشام -ساحله وداخله- أغنياء من الوزن الثقيل، ولكن ليس فيه أيضاً إلا القليل


(١) جمع سانية، يدور فيها البغل ليستخرج بها الماء من البئر.

<<  <   >  >>