للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحذر، وإن افتقرت فمن قعودك عن السعي ... وأمثال هذا الكلام.

فقلت له: فلِمَ وُلد هذا في دار علم وتهذيب فتعلم وعرف سبل الوقاية وخطر الأمراض، ونشأ ذاك في بيت جهل وفساد فشبّ جاهلاً فاسداً لا يعرف كيف يتّقي الداء؟ ولماذا دُعس هذا من قلة حذره، وسلم من هو أقل منه حذراً وطريقه أشدّ خطراً؟ ولماذا يسعى الرجل حتى تنقطع من السعي أنفاسه ويرجع ولم يصل ولا إلى مثل خُفَّي حنين، وتأتي الأموال لآخَرَ بلا سعي ولا طلب؟ ولماذا يُتاح لهذا النابغة أن يظهر نبوغه حتى يكون اسمه تسبيحاً على كل لسان وعنواناً في كل كتاب، ويُجهل من هو أحدّ منه ذكاء وأكبر موهبة وأظهر استعداداً للنبوغ؟

ولماذا؟ ولماذا؟ وألف «لماذا»، لو شئت لسقتها لك فما استطعت الجواب على واحد منها. فما أنت في الوجود؟ هل تسيّر أنت الفلك على هواك؟ وهل تسوق الكون إلى غايتك؟ هل أنت إله؟ إنك ما كوّنت نفسك ولا شققت بيدك سمعك ولا بصرك.

قال: فهل ترى أنت أن الإنسان مسيَّر؟

قلت: ما مسيَّر وما مخيَّر؟ وما هذه الفلسفة الفارغة؟ لقد اشتغل بها البشر من يوم بدؤوا يفكرون واختلفوا عليها وتجادلوا، ولا يزالون يختلفون ويتجادلون لم يصلوا إلى شيء. وإنما تاهوا في بَيداء لا أول لها ولا آخر، وهاموا على وجوههم في مَهْمَهٍ متشابِهِ الأرجاء بلا أمل ولا رجاء، فذهب هذا ينكر القدر ويزعم أن الحياة ملك الإنسان وأحداثها صنع يديه، وراح ذاك ينكر

<<  <   >  >>