رمضان جديد، يحمل اسم رمضان الأول الذي رأيته أول مرة من أكثر من أربعين سنة، ولكنه ليس ذلك الرمضان.
رمضان القديم كان يغمر أرجاء دمشق كلها، فكنت تحسّ به حيثما سرت. تراه في المساجد الممتلئة بالمصلّين والقارئين والمتحلّقين حول كراسيّ المدرسين، وتراه في الأسواق، فلا تجد عورة بادية ولا منكراً ظاهراً ولا مطعماً مفتوحاً ولا مدخّناً ولا شارباً، وتشتري البضاعة وأنت آمن من الغش والغبن، لأن أفسق البائعين لا يغش في رمضان. والمرأة تعمل مطمئنة إلى أنها مهما أخطأت فلن تسمع من زوجها كلمة ملام، لأن الصائم لا يشتم ولا يلوم في رمضان. والرجل يجيء إلى بيته وهو آمن أن يجد من زوجته نكداً أو إساءة، لأن المرأة المسلمة الصائمة لا تؤذي زوجها في رمضان. ولو تركت بابك مفتوحاً لما دخل لص، لأن اللصوص يُضْربون عن العمل ويتوبون عن السرقة في رمضان!
أما رمضان الجديد فلا تعرفه هذه الشوارع الجديدة والأحياء الحديثة، ولم يعرف بعدُ الطريقَ إليها، ودمشق القديمة لم يعد يستطيع أن يسيطر عليها، فالمساجد مملوءة بالنائمين والمتحدثين والمدرّسين الجاهلين، والأسواق مفتَّحةُ المطاعم مملوءةٌ بالمفطرين، والصائمون تسوء أخلاقهم في رمضان من الجوع وشهوة «الدخان»، والشياطين تصفَّد في رمضان، ولكن الفساق ينطلقون عاملين فيه كما كانوا يعملون قبل رمضان.
ولقد كان أشدُّ الناس بعداً عن الدين إذا سمع مدافع رمضان تاب وأناب إلى الله، ونزع نفسه الآثمة واستبدل بها نفساً زكية متعبدة، كما ينزع ثوبَه الوسخ ويستبدل به ثوباً نظيفاً. والبيوت