للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مزدحمين فيها على بيّاع المثلجات إن كان الوقت صيفاً، أو بيّاع الفول النابت. ومَن أراد لهواً لم يجد إلا «الحَكَواتي» يقصّ قصة عنترة، وكلها بطولة ونبل (١)، أو «الكراكوزاتي».

فإذا مضت ساعة بعد صلاة العشاء انطفأت الأضواء وخلت الأسواق، وانصرف الناس إلى دورهم ليناموا. والمسحِّر لا يجيء إلا في وقت السحور، لا يجيء نصفَ الليل ليوقظك من نومك ويقرع بطبلته رأسَك كما يفعل الآن، وأنت مجبر أن تقول له: أشكرك، ثم تدفع له أجرته على أنه كسر دماغك وحطم أعصابك! ولم تكن هذه الإذاعات التي لا تسكت لحظة في رمضان، ولا كانت في البيوت هذه الأجهزة الشنيعة، مصيبة المصائب، الرادّ (٢) الذي تستطيع كل امرأة جاهلة وكل ولد لعّاب أن يزعج به مئة بيت، ولا يكلفه ذلك إلا أن يمد أصبعه وهو نائم فيدير زرّه أنملة (سنتيمتر)، فيُدخل الداءَ العصبيّ على كل من سكن هذه البيوت، ويهرب رمضان المسكين بتأمله وخشوعه وطهره.

إن رمضان لا يستطيع أن يعيش إلا مع الهدوء والسكون، فكيف يعيش في هذه الضجة الهائلة، وكيف يتفرغ الصائم لعبادته وكيف يتوجه إلى ربه؟ (٣) وكيف ينام ليقوم إلى السحور إذا كان


(١) لا كهذه القصص الآثمة الداعرة التي تَغضب الكلابُ لو وُصفت مجتمعاتُها بمثل ما يوصَف به المجتمع فيها.
(٢) الراد هو الراديو، لأنه يردّ الصوت المنتشر في الفضاء.
(٣) ولم تكن يومئذ هذه الفضائيات، أكرم الله الشيخ فاختاره إلى جواره قبل أن تخترق حياتَنا وتصير مسلسلاتُها وبرامجها «شعيرة» من شعائر رمضان! (مجاهد).

<<  <   >  >>