رمضان الذي يتوب فيه كل عاص، ويتصل فيه كل منقطع، ويشهد فيه كل محجوب، وتسطع فيه الأنوار في كل قلب حتى لتمتلئ بالرضا والاطمئنان والحب، ويقوم الناس في الأسحار، ساعةَ يتجلى الله على الوجود تجلّي الرحمة والغفران وينادي المنادي من السماء: ألا من سائل فأعطيه؟ ألا من مستغفر فأغفر له؟ فيهتفون من أعماق قلوبهم: يا أرحم الراحمين! ويسألون الله ويستغفرونه، فيحسّون أنْ قد صعدوا بأرواحهم إلى حيث يرون الأرض كلها ومَن عليها ذرّة تجول في هذا الفضاء، الدنيا كلها بأطماعها وأحقادها ومغرياتها، ويتذوقون أعظم اللذاذات، اللذّة التي لا تقاربها لذّة، لذّة الاتصال بالله، ومناجاته في سكنات الليل وهدآت الأسحار، فتسطع أنوار الإيمان في كل قلب، ويمتلئ بالرضا والاطمئنان والحب. والقلب كالنسر الذي يضرب بجناحيه في طِباق السماء، ولكنّا قيّدناه بقيود المادة ثم أغرقناه في حمأة المطامع والشهوات، فكيف يطير نسر مقيَّد الجناح غارق في الطين؟
هذا هو رمضان؛ فحُلّوا القيودَ فيه عن قلوبكم، واغسلوها من أوضار الحمأة التي غمستموها فيها، ودعوها ترتفع لتطّلع على جمال الوجود، وترى من هذا المرقب العالي جمالَ رمضان.