أما أنا فلا أصدق أنكم تسمعون مني. وكيف يسمع من هو في المهاجرين وحمص وحلب والقاهرة وطهران ما لا يسمعه هذا الأخ الجالس أمامي وراء الزجاج، والذي يبدو عليه أنه لا يدري ماذا أقول، فلا يبتسم ولا يعبس ولا يفتح عينيه ولا يرفع حاجبيه، ولا يصنع شيئاً يدل على أنه سامع؟ وهذا من نِعَم الله عليّ، فلو سمعني أتكلم عنه لما نجوت منه بسلام!
فإذا كنتم تسمعون -يا سادة- كلامي فأشيروا إليّ، أو صفّقوا، أو قربوا أفواهكم من الرادّ وصيحوا ... إني انتظرت فلم أسمع صيحتكم، فلم يبقَ إلا أن أصنع كما صنع زميلنا المحترم جحا حين أذَّن ونزل من المنارة يعدو، قالوا: إلى أين يا جحا؟ قال: أريد أن ألحق صوتي فأنظر: إلى أين وصل؟
ولنفرض أنكم سامعون، فعمَّ أحدثكم؟ ومَن لي بالحديث الذي يرضيكم جميعاً: العالم منكم وغير العالم، والرجل والمرأة، والكبير والصغير؟ وأي معلم يستطيع أن يلقي درساً واحداً يفهمه تلميذ المدرسة الأولية وطالب الجامعة ومَن بينهما، ويرضون عنه ويعجبون به؟
لقد فكرت طويلاً، وحشدت قوى نفسي كلها وما تعلمت من علم وما حفظت من مسائل، لآتيكم بحديث يدهشكم حتى