عنه زاهدون في حديثه، حتى الأتقياء الصالحون منهم الذين يتمسكون في رمضان بدينهم، فيقضون نصف النهار في الأموي، نائمين يشخرون وينخرون (١)، أو متحلّقين حِلَقاً يمزحون في الجامع ويضحكون ويكذبون ويغتابون!
فلنتكلم في الأدب إذن، فالأدب أسلم عاقبة وأوسع حرية، وهو هيّن عليّ وعلى غيري، وقد صار الأدب الآن كوصل ليلى: كلٌّ يدّعيه، وكلُّ مَن يستطيع أن يكتب كلاماً في ورقة ويجد صَفّافاً يَصُفُّ له حروفه وصاحب جريدة ينشره فهو كاتب بليغ! وكل من يأتي بلفظ موزون أو شبه موزون فهو شاعر مفُلق! وكل من يحفظ خبراً عن أبي تمام والمتنبي، أو هوغو ولامارتين، أو شكسبير وملتون، فهو أديب أريب! وكل من عاب كاتباً كبيراً بحق أو بباطل فهو ناقد محقق! ومن عجز عن أن يفكر كما يفكر أبناء آدم عليه السلام ويتكلم كما يتكلمون، ففكر تفكيراً غير آدمي وتكلم كلاماً ليس بإنساني، فهو شاعر رمزي! وإن في الرمزية متَّسَعاً لجميع الأغبياء والأدْعياء، وإذا شكا القراء أنهم لا يفهمون هذا الأدب الرمزي فالقراء جاهلون رجعيون جامدون!
لا يا سادة، إن الأدب امتُهن وابتُذل، فلن أتكلم في الأدب.
أفأتكلم في السياسة؟ إن السياسة في بلدنا أن ينتقد الرجلُ قوانينَ الحكومة ويتكلم في رجالها، ويتهم كل أمين يكرهه بالسرقة، ويصف كل سارق يحبه بالأمانة، ويكون له رأي في الملك عبد الله وابن السعود وإتلي ومولوتوف وترومان، ويرسم