هل تصدقون (أو أحلف لكم) أنّي لما نظرت في وجوه الأولاد وقد بدا فيها بهاء الفرح، وما عرفَت هذه الوجوه الفرح قط، ولاحت عليها سمات الطفولة الراضية الشاكرة، وما كان يلوح عليها إلا الألم والحقد المرير، وأشرق عليها نور إلهي سطع من وراء ما حملت من الأوساخ والأقذار، ولما رأيت عيون الأمهات الواقفات تدمع وألسنة الرجال الواقفين تدعو، أحسست في قلبي بفرحة لا تعدلها فرحة الجائع بالمائدة الملوكية المترعة، ولا الضَّجِر بالقصة العبقرية الممتعة، ولا المحب المدنف بلقاء الحبيب بعد طول الهجران.
لا والله، فتلك أفراح أرضية وهذه فرحة سماوية، قد تعيش آلاف البشر وتموت ولا تحس مثلها. وشعرت كأني كبرت في عين نفسي، وأني صرت أقوى وأقدر، وأني نلت الأمانيّ ومُتِّعْتُ بالخلود.
إننا ننفق كثيراً من المال نشتري به يسير المُتَع، وهذي متعة
= يُبِحْ قَطّ لا لنفسه ولا لأحد من أهله أن يعرض في بيته مجسَّماً على هيئة حي من الأحياء. بل إنه كان ممن جهر بإنكار مُنكَر بدأ ينتشر في زمانه، فنهى الناس عن نصب التماثيل في الطرقات تعظيماً -كما يزعمون- للزعماء والكُبَراء. انظر مقالة «لا نريد تماثيل» في كتاب «كلمات صغيرة»، وراجع حديثه عن مقالة «لا تماثيل في الإسلام» في الحلقة ١٠٢ من «الذكريات» (في الجزء الرابع، ص٣٩ وما بعدها). وإنما استطردت هذا الاستطراد لئلا يظن قارئٌ أن جدي رحمه الله اشترى لبناته تماثيل حقيقية، وما هي إلا لُعَب من لعب الأطفال، سمّاها تماثيل من باب الفصاحة في التعبير لا غير (مجاهد).