تتبدل هذه المقاييس؛ ففي التدريب العسكري يصنَّف الناس على طول الأجسام، فإذا رجعوا إلى وظائفهم صُنِّفوا على المراتب والدرجات، فإن جاءت المعركة صُنِّفوا على الشجاعة والإقدام، فإن كان دفع الضرائب صُنِّفوا على المال والأملاك ... ورأيت كأني في يوم العرض، يوم الامتحان الأكبر، يوم يكون الناس قسمين لا ثالث لهما: ناجحين في الامتحان يمشون فرحين مستبشرين إلى الجنة، وساقطين في جهنم يشيّعهم الخزي والعار، وقلت: لعل هذا بثيابه القذرة ورائحته المنتنة يكون مع الناجين، وأكون أنا -لا قدّرَ الله- مع الهالكين، ولعل من حقه هو أن ينفر مني ويضم ثيابه عني!
واستغرقت في هذه الخواطر حتى بلغ الترام الغاية.
-٢ -
ووجدت أن من أوسع مداخل الشيطان إلى قلوب الناس: المال.
ولقد خلق الله الخلق لعبادته وأمرهم بأوامر يأتونها، وحدد لهم أرزاقهم وكفلها لهم، وأقسم لهم على أن ذلك حق مثلما ينطقون. هل يشك ناطق في أنه ينطق؟ فتركوا ما أمرهم به واشتغلوا بما كفله لهم! كالتلميذ في المدرسة الداخلية، يكلَّف بعلوم يتعلمها ويُعَدُّ له طعام يأكله، فيترك الدرس الذي كُلِّف به ويذهب إلى المطبخ يبحث عن طعامه، فيعرّض نفسه للعقوبة،