للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مني» (١)، فاتركوني أيها العشاق، اتركوني فقد أنستني الأيام كيف يكون الغرام.

وماذا يبتغي العشّاقُ مني ... وقد جاوزتُ حدَّ الأربعين؟

ولكن هل تركني العشاق؟ هذه كتبهم بين يدي يطلبون مني أن أكتب لهم في الحب، كأننا لسنا في حرب مع اليهود، وليس في الدنيا غلاء ولا بلاء ولا مفاسد ولا عيوب، ما بقي علينا إلا الكلام في الحب!

ومتى كان المحبون يحفلون في الدنيا بغير المحبوب؟ لا يعرف المُحِبّ إلا ليلاه، يحيا لها ويموت فيها، أكبر هَمّه من العيش أن تعطف عليه بنظرة أو تجود له ببسمة، أو أن تمسّ بيدها يدَه فتمشي في أعصابه مثلُ هزّة الكهرباء، ويسكر منها بلا دَنّ ولا قدح، ويطرب بلا حَنْجَرة ولا وتر، وغاية أمانيّه من الدنيا أن يلقي برأسه على صدرها، أو يجمع فاه إلى فيها في ذَهْلةٍ لَذّةٍ (٢) عميقة، تحمله إلى عالم مسحور يجتمع فيه الزمان كله وتختصر فيه الأمكنة جميعاً، فتكون هذه اللحظة هي الأزل وهي الأبد، وهي الماضي وهي المستقبل، ويكون المحبّان هما وحدهما الناس.

أولئك هم العاشقون. وأولئك هم -عند أنفسهم- أرباب


(١) الدد: اللهو واللعب، وأصل هذا القول حديث رواه أنس بن مالك: «لست من دد ولا الدَّدُ مني»، أي ليس اللهو والباطل من شِيَمي ولا أقربه. والظاهر أنه حديث ضعيف (مجاهد).
(٢) لذة: لذيذة.

<<  <   >  >>