للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يذكّره بها وميض الزهر في الروض، وحديث الساقية للسفح، والحمامة تسجع على الغصن، والمغني يصدح في هدأة الليل بـ «يا ليل» فيُصغي طرباً إليه الليل، ولفتة الجدول عند الرابية، وفتنة الوادي عند الجَزْع، والدرب الحالم تحت فروع الدلب، والصفصاف على كتف النهر، والشلال الهادر في الليل الداجي، والتلال الخضراء اللابسة جلابيبَ الصنوبر، والجبل الأجرد المتوّج بعمامة من الصخر. إن هب النسيم من نحو أرضها شَجَّتْه النسائم، أو جرى السيل من جهتها أجرت دموعَه السيولُ، أو طلع الكوكب من أفقها أهاجت أشواقَه الكواكبُ، أو رأى طيراً تمنى لو استعار -ليزورها- أجنحةَ الطير!

يحب لأجلها كل ما كان منها وما اتصل بها، الرُّضاب الذي تنفر منه النفوس إن كان رضابها فهو خمر، وريح العَرَق التي تأنف منها الطباع إن كانت ريحها فهي عطر، والألم إن جاء منها كان لذة، والذّم إن جرى على لسانها كان ثناء، والظلم إن وقع منها أشهى إلى قلبه من نيل الحقوق من أيدي الغاصبين، والأهل (أهلها) أحباؤه وأصدقاؤه، ولو عدَوا عليه وأساؤوا إليه.

يرضى منها بالقليل الذي لا يُرضي. إن بسمت له بسمة فكأنْ قد بسم له الدهر وواتته الأماني، وإن كلمته كلمة فكأنْ قد صبَّت في روحه الحياة! يعاف لحبها طعامه وشرابه، ويهجر راحته ومنامه، والمجد يزهد فيه ولا يباليه، والدين يتركه والمال لا يفكر فيه! وإن هو ابتغى المعالي يوماً فإنما يبتغيها لِيَسُرَّها ويرضيها، وإن نظم أو كتب فلها وحدها، وإن أغار في الحرب فلينال إعجابها، وإن طلب العظائم فليعظم في عينها. إن سَعِدَ

<<  <   >  >>